المملكة المغربية بين رهانات الدول العربية والتحولات العالمية الجديدة
لا يمكن اليوم قراءة المشهد العربي و المغاربي بمعزل عن التحولات العميقة التي يشهدها النظام الدولي، حيث لم تعد التحالفات والتوجهات تُبنى على الشعارات والمواقف العاطفية، بل على الحسابات الجيوستراتيجية والمصالح الصرفة. فالمنطقة العربية و المغاربية ليست بمعزل عن هذا التغيير، بل هي في قلبه، إذ تشهد إعادة تموضع للدول، وتغيرًا في الاصطفافات والتحالفات وفق معادلات جديدة يفرضها الواقع.
العالم يتحرك نحو نظام دولي متعدد الأقطاب، لكن هذا لا يعني أن الدول الصاعدة قادرة على فرض توازن حقيقي مع القوى التقليدية. الصين وروسيا، رغم صعودهما، لم تستطيعا بعد خلق بديل قوي للنظام الغربي. وروسيا، على وجه الخصوص، وجدت نفسها في مأزق حاد نتيجة الحرب في أوكرانيا، مما دفعها إلى تقديم تنازلات للغرب في عدة ملفات، منها الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو ما يجعل “رهان بعض الدول العربية و المغاربية على روسيا” مجرد مقامرة خاسرة.
التحالفات ليست دائمة، ولا توجد دولة تتحرك بدافع “العقيدة” أو “المبادئ”، بل وفق مصالحها الخاصة. العرب الذين كانوا يراهنون على المحور الروسي-الإيراني، وجدوا أنفسهم أمام حقائق قاسية، حيث أثبتت التجربة أن روسيا لن تتدخل إلا حيث تضمن مصلحتها المباشرة، وأن إيران، رغم كل خطاباتها، لا تستطيع تجاوز كونها “بعبعًا” يُستخدم لضبط الإيقاع الإقليمي.
الدول العربية و المغاربية التي أدركت مبكرًا أن التغيير العالمي يستدعي إعادة التموضع هي التي حافظت على استقرارها بل وحققت مكاسب استراتيجية و المغرب مثال حي:
-انخرط في تحالفات براغماتية، ضَمِن بها دعمًا أمريكيًا واضحًا لقضيته الوطنية (الصحراء المغربية).
-عزز موقعه في أفريقيا وأوروبا، بدل إضاعة الوقت في صراعات جانبية لا جدوى منها.
-لم ينجرف إلى “الخطاب الاستهلاكي” الذي يجعل الدول العربية تدفع ثمنًا باهظًا من استقرارها من أجل قضايا لا تملك فيها قوة القرار.
في المقابل، هناك دول ما زالت رهينة الشعارات الرنانة، متناسية أن المرحلة لم تعد تتسامح مع السياسات الانتحارية. فمن يرى كيف تحولت ليبيا وسوريا واليمن إلى ساحات دمار بسبب سوء التقدير، سيدرك أن الواقعية السياسية لم تعد خيارًا، بل ضرورة وجودية.
القضية الفلسطينية تعيش مأزقًا داخليًا خطيرًا، حيث انقسمت إلى مسارين متعارضين:
-مسار السلطة الفلسطينية الذي يسعى للحفاظ على الحد الأدنى من المكتسبات ولو بشروط صعبة.
-مسار الفصائل المسلحة الذي يصرّ على المواجهة رغم اختلال موازين القوى بشكل واضح.
-حماس وقعت في فخ كبير عندما اعتقدت أنها قادرة على فرض معادلة جديدة بالقوة، متناسية أن أي مواجهة مع إسرائيل ليست مجرد “منازلة عسكرية”، بل معركة سياسية واقتصادية واستراتيجية تتداخل فيها مصالح القوى العظمى. النتيجة كانت كارثية:
– خسارة التعاطف الإقليمي والدولي الذي كانت القضية الفلسطينية تستند عليه.
– عودة قاسية إلى معادلة “الاحتواء بدل الحل”.
المغرب، وكغيره من الدول العربية، لا يمكنه المغامرة بمصالحه الاستراتيجية لصالح طرف فلسطيني اختار التصعيد دون قراءة عقلانية للنتائج. الموقف الرسمي المغربي كان واضحًا: دعم القضية ضمن منطق الدولة، لا في إطار المغامرات غير المحسوبة.
المغرب يدرك أنه يعيش في منطقة شديدة التعقيد، حيث ملفات كبرى تحدد مستقبله:
ملف الصحراء المغربية، الذي يتطلب حشد الدعم الدولي وتجنب أي خطوة قد تُفهم كتراجع عن مكتسبات دبلوماسية حاسمة.
التحديات الاقتصادية، حيث يسعى لتعزيز موقعه كقوة إقليمية في أفريقيا والمتوسط.
التوازن في التحالفات، حيث يدرك أن أي تموقع غير محسوب قد يكلفه غاليًا في ظل التحولات المتسارعة.
المغرب في موقع صحيح، ومن يرفض التغيير سيؤدي الثمن
التحولات العالمية تُحتّم على الدول العربية و المغاربية التفكير بعقلانية، لا بعاطفة. من يصر على التمسك بخطاب “اللاءات” دون امتلاك أدوات القوة سيدفع الثمن، ومن يفهم أن الواقعية السياسية هي السبيل الوحيد للبقاء سيحقق المكاسب. المغرب اختار الواقعية، ونتائج ذلك واضحة:
– استقرار داخلي رغم كل الأزمات التي عصفت بالمنطقة.
– تعزيز مكانته في المشهد الدولي.
– تحقيق مكاسب استراتيجية دون الدخول في صراعات خاسرة.
أما أولئك الذين ما زالوا يعيشون على خطاب “الصمود حتى الموت”، فإنهم للأسف لن يحصدوا إلا مزيدًا من الدمار والتشرذم.
بقلم الحسين شهراوي
رئيس المكتب الجهوي للمنظمة الدولية للدبلوماسية الموازية
و الاعلام و التسامح لجهة مراكش اسفي