إن مهمة الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة ليست مسؤولية ملك البلاد فحسب بل هي مسؤولية الجميع، كما أشار إلى ذلك جلالته في خطاب ألقاه أمام أعضاء البرلمان سنة 2013 حيث قال: “…قضية الصحراء ليست فقط مسؤولية ملك البلاد، وإنما هي أيضا قضية الجميع، مؤسسات الدولة والبرلمان، والمجالس المنتخبة، كافة الفعاليات السياسية والنقابية والاقتصادية، وهيئات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، وجميع المواطنين… لقد أتاح الإعلام خاصة الرقمي منه ، لعموم المتلقين إمكانية التفاعل والتعبير عن أرائهم بكل حرية، مما أوجد نوعا من التفاعل بين هذا النمط الإعلامي المعتمد على الدعامات الالكترونية والمرتبط بشبكة الانترنيت ، ومن جهة اخرى ساعد على التدفق الكبير للمعلومات وسرعة تدا ولها . دون أن نغفل مدى أهمية و دور وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة محليا ودوليا، إذ لم تعد مجرد وسيلة للاتصال والتواصل بين الناس، وإنما أضحت أداة فاعلة وناجعة من أدوات التأثير على الأفكار والتوجهات وتغيير قناعات الأفراد وكذا التأثير على سلوكيات الإنسان، كما أصبحت أداة هامة من أدوات صناعة الرأي العام.
والمغرب من البلدان التي عرف انتشارت مجموعة من الجرائد الإلكترونية والمواقع الرقمية، كما أنه ازدادت ارتفاعا مع الوضع الذي عرفه العالم من خلال جائحة كورونا-19 الذي أجبر العديد من الأنشطة على التوقف، وهو ما فتح المجال للجرائد الإلكترونية بأن ترتفع مقارنة بالسنوات الأخيرة. وفي عالم المعلوميات فإن التوجه الإلكتروني والتكنولوجيا الرقمية أصبحت ضرورة ملحة كحل بديل للترافع على القضايا الوطنية فيما أصبح يطلق عليه اليوم بالترافع الرقمي. كما أضحت المواقع الاجتماعية فضاءا لنشر المعلومات وتبادل الأفكار ونقل الأخبار والصور ،فيما أصبح يطلق عليه باعلام القرب أو إعلام المواطن أو الموبايل . الأمر الذي يستازم إعتماد المقاربات المهنية في التناول الإعلامي لقضية الصحراء المغربية، وذلك بالانفتاح على الباحثين و الخبراء المتخصصين في هذه قضية المفتعلة، من أحل الساهمة على إنجاح الدور الإعلامي حيال قضية الوطن الأولى ، فضلا على أهمية التجاوب الحقيقي لصانعي السياسة الخارجية مع الإعلام لتجويد أدواره الترافعية من خلال المعلومات المتوفرة لدى وزارة الخارجية.
فالتناول الإعلامي لقضية الصحراء ، و في ظرفية حقق فيها المغرب مكتسبات ديبلوماسية مهمة واعترافات من دول لها وزنها العالمي بسيادة المغرب على صحرائه والتي إنضاف لها مؤخرا الاعتراف الفرنسي كل ذلك جعل للقضية خصوصية أكبر ، فقضية الصحراء تحولت برمتها بعد التطورات الأخيرة إلى قضية إعلامية بامتياز . اليوم وأمام هذا الزحم من الانتصارات الديبلوماسية ، وجد الإعلام المغربي نفسه أمام ضرورة الإنفتاح على النقاش العلمي والميداني وتتبع مختلف وجهات النظر الوطنية والإقليمية والدولية بخصوص قضية الصحراء ، و الإعتماد على أبناء المنطقة الملمين بأبعادها، إلى جانب الخبراء والباحثين في تاريخ تطور هذا الملف ، إضافة إلى البيانات والتقارير المتوفرة لدى وزارة الخارجية .
من هذا المنطلق أضحى الإعلام الرقمي بيئة اتصالية مؤثرة بشكل كبير، مما دفع الهيئات الدبلوماسية في العالم لتوظيفه في تحقيق أهدافها الاتصالية وفي ترافعها عن قضاياها الوطنية المصيرية . كما لا يجب أن نغفل ونحن في معرض حديثنا عن الأدوار الترافعية للإعلام الجهوي والوطني بشكل عام، خاصة الرقمي منه ، والذي يسمح بسرعة انتقال المعلومة وعلى مستوى نطاق واسع، أن نؤكد على أن أنه أصبح موازيا للدبلوماسية الرقمية ،خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية ، هذه الديبلوماسية التي أضخت مخرجا لترويج الرؤى، وتقويض مقاربات الدول في قضايا الصراع حول المصالح المتنافس عليها، الأمر الذي دفع بالدول إلى تشجيع مصالحها الدبلوماسية على توظيف وسائط التواصل الاجتماعي كجزء محوري في نشاطاتها، واعتبارها أداة إيجابية لتعزيز مصالحها ،ونقل العمل الديبلوماسي من مراكز الثقل في الممارسة الدبلوماسية ،أي السفارات ، إلى المنصات الرقمية.
ختاما ،لقد أصبح العمل الديبلوماسي يواجه تحدي التطور التكنولوجيا وسرعة إنتقال المعلومة والخبرة في توظيفها .فصناعة القرار في الماضي كان أبطالها النخب التي تتمتع بالسلطة. أما اليوم، فهناك نظام عالمي لتكوين الرأي العام يصعب السيطرة عليه بالوسائل التقليدية، يسهم في تشكيل الهويات وتسويق صورة الدول في الخارج. لينتقل العمل الخارجي للدولة من العلاقة بين النخب إلى نموذج تواصل تتحكم فيه تكنولوجيا الاتصال، التي كانت لها بصمات على الدبلوماسية ، والتي لم تعد مطالبة بتوظيف أدوات الإنترنت لنشر الرسائل فقط، وإنما ضرورة اندماجها في الكون الرقمي بمفاصله المختلفة، والتفاعل داخل الشبكات ضمن مقاربة تضمن الترافع الجيد المحدث للتغيير في الأفكار والرؤى مع القدرة على الإقناع ، من هنا أصبحت الضرورة ملحة لتأهيل العمل الديبلوماسي الموازي ،خاصة ديبلوماسية الإعلام وبالخصوص الرقمي الذي عليها أن يكون متمكنا من أليات الترافع والإقناه بخصوص قضيتنا الوطنية الأولى ،قضية الصحراء المغربية .
ذ/ الحسين بكار السباعي محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان. باحث ومترافع مدني عن قضية الصحراء المغربية .