Modern technology gives us many things.

قضية الصحراء.. بين الدبلوماسية الرسمية ودبلوماسية المجتمع المدني

313

بات من الواضح أن أزمة عميقة تعيشها الدبلوماسية المغربية بخصوص قضية الصحراء، ولعل التجربتين الأخيرتين: المقترح الأمريكي بتوسيع مهام بعثة الأمم المتحدة في الصحراء لمراقبة حقوق الإنسان، ومقترح البرلمان السويدي بشأن الاعتراف بجمهورية صحراوية؛ لعل التجربتين الأخيرتين كشفتا عن هذه الأزمة التي لم تعد محصورة في أروقة الخارجية المغربية بل فضحت نفسها أمام الرأي العام الوطني مثقفه وبسيطه. وبدا جليا أن الخارجية المغربية لا تتحرك للتعريف بقضيتها وتسجيل أهداف سياسية في مرمى الخصوم بقدر ما تتكتل في الدفاع عندما يقتربون من التهديد.
والحقيقة أن المسألة لا تقتصر على قصور الدبلوماسية الخارجية، بل أيضا على فعاليات المجتمع المدني والإعلام بشقية الرسمي والخاص، فقلما تجد القضية الوطنية الأولى مركزا للحوار والنقاش وموضوعا للاشتغال والتسويق الخارجي، مما يطرح العديد من الأسئلة المحرجة والمقلقة، أما حين يتعلق الأمر بالمجتمع المدني الصحراوي وإعلامه – باعتباره الطرف الأبرز في القضية – فالأمر يزداد قلقا والسؤال يزداد عمقا.
في برنامج مع الناس الذي بثته قناة العيون الجهوية عقب الزوبعة السويدية، كشف ضيوف الحلقة عن هذه الأزمة الخطيرة، وذاك الخلل العميق الذي يشهده الحراك السياسي والمدني بخصوص قضية الصحراء؛ القضية الوطنية الأم لكل المغاربة كما يتم التسويق لها في الإعلام، لكن لا تتم بلورتها في الواقع.
من وجهة نظر المجتمع المدني الصحراوي، ونتحدث هنا عن رأي جمعية النجاح للتنمية الاجتماعية، باعتبارها واحدة من الجمعيات الأكثر فاعلية في المشهد المدني الصحراوي، يكشف رئيس الجمعية عن عمق هذا الخلل الذي يعيشه النسيج المدني بالصحراء، فهو حسب رئيس الجمعية لا يشتغل إلا عند وقوع الأزمات، فيما يشبه ردة الفعل التي تمثلها الدبلوماسية الرسمية الخارجية، والسؤال المطروح حسب رئيس الجمعية هل يتعلق الأمر بخلل بنيوي عام في سياسة المغرب اتجاه القضية أم أنه إبعاد مقصود للفاعل المدني الصحراوي؟ في الحالة الأولى نتحدث عن أزمة دبلوماسية، وفي الحالة الثانية عن أزمة ثقة، وفي كلتا الحالتين ثمة أمر ما غير مفهوم في تدبير الملف سيما وأن تجارب قاسية مر منها لم تستثمر ولم تأخذ منها العبر والدروس. في حين أن الأخطاء الكبرى لم يعد النظر فيها وفق المستجدات الإقليمية والدولية التي يشهدها العالم، ومنها خطأ انسحاب المغرب من الاتحاد الإفريقي، وخطأ استفتاء تقرير المصير.
وفي السياق ذاته يكشف رئيس الجمعية عن مشكل آخر يتجلى في انفراد جهات مخصوصة بقرارات التحرك في القضية، تحرك تمثله أطراف لا تعرف من قضية الصحراء سوى أنها مغربية في الوقت الذي يغيب عنه المجتمع المدني الصحراوي العارف تمام المعرفة بخبايا القضية وتشعباتها التاريخية والسياسية، مما يعطي الانطباع بوجود أمرين اثنين: إما عدم ثقة بين الفاعلين الحكوميين والمجتمع المدني الصحراوي، وهو أمر لا يحتاج الكثير من التفكير في إدراك خطورته داخليا وخارجيا، أو النظر بعين النقص إلى الكفاءات الصحراوية كونها غير مؤهلة للعب أدوار على المستوى العالي بخصوص قضية الصحراء، هذا مع العلم أن فئة منهم تعرف حسن المعرفة خبايا الطرف المعادي كونها خبرته عن قرب، ويتعلق الأمر بفئة العائدين الذين لعبوا أدوارا سياسية أثناء تواجدهم بمخيمات الجبهة. وهي فئة يقترح رئيس الجمعية أن تفتح لها أبواب القنصليات بالخارج للتحرك السياسي والدبلوماسي عوض اقتصار تلك المكاتب على البهرجة خلال الاحتفالات الرسمية بالمناسبات الوطنية. وهو الأمر الذي يفسره غياب نسيج جمعوي صحراوي وحدوي منظم وفاعل، خاصة ببلدان الاتحاد الأوربي وأوربا الشرقية وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
هي – إذاً – في نظر رئيس الجمعية أزمة دبلوماسية على المستوى الخارجي، وأزمة ثقة على المستوى الداخلي، فيها غياب لدبلوماسية ” مصاحبة” لا موازية حسب تعبيره، فيها أزمة نضال؛ من نضال مبعثه الإيمان بالقضية إلى نضال من النجوم الخمس، نضال مؤدى عنه، تحدد عباراته ومدده الزمنية من طرف المستأثرين بالقرار، ينتخبون على مقاس غير مفهوم أبواقا تردد الصحراء مغربية إثر كل هجوم معادٍ، ثم تصمت إلى حين هجوم آخر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.