في زمن أصبحت فيه الكلمة مسؤولية، والقلم أمانة، نتابع بدهشة كيف تسمح بعض المنابر التي تدّعي العالمية لنفسها أن تنحدر إلى دركٍ من السقوط، حتى تغدو أقرب إلى نشرات صفراء منها إلى صحافة محترمة. لقد اطلعنا على ما نشرته جريدة Le Monde عن جلالة الملك محمد السادس، فلم نجد أمامنا مقالا صحفيًا، بل نصًا مشبعًا بالأحقاد، مفعمًا بالخيال المريض، متخمًا بالافتراءات، يقطر سمًّا من سطور مرتجفة لا تُقنع قارئًا واعيًا، ولا تصمد أمام أبسط معايير المهنية . من يقرأ ما سطرتموه، يدرك أن أقلامكم ليست سوى أشلاء مهترئة تبحث عن الإثارة الرخيصة. لقد عجزتم عن مواجهة المغرب في إنجازاته، فانحرفتم نحو مهاجمة حياة ملكه الخاصة، وكأنكم تملكون سلطة على قلوب الناس ومشاعرهم. ولكن هيهات! إن محمد السادس ليس مجرد شخص، بل رمز دولة، وامتداد تاريخ، وراية وطن. كل من يحاول النيل من مقامه، إنما يضع نفسه في مواجهة أربعين مليون مغربي، يعتبرون الملك جزءًا من ذواتهم، وركنًا من كرامتهم، وخطًا أحمر لا يقبل المساس.
أنتم تزعمون المهنية، لكنكم تسقطون في أول اختبار : فالمهنية تقتضي النزاهة ، واحترام الحياة الخاصة ، والتحقق من المعطيات ، وأنتم لم تحترموا شيئًا من ذلك . أنتم لستم صحفيين؛ أنتم مجرد أبواق مأجورة، تكتبون ما يُملى عليكم، وتبيعون أقلامكم لمن يدفع أكثر . فالمغرب… عقدتكم الدائمة أيها المأجورون : لماذا يثير المغرب حقدكم ؟ لأنه ببساطة خرج من خانة “الضعفاء” التي تعودتم أن تهاجموها بلا رادع. المغرب لم يعد بلدًا صغيرًا على الهامش، بل صار قوة صاعدة تحسب لها العواصم ألف حساب. المغرب اليوم يُطلق الأقمار الصناعية، ويشيد الموانئ العملاقة كميناء طنجة المتوسط، ويبني البنية التحتية الحديثة من طرق سيارة وسكك حديدية فائقة السرعة. المغرب اليوم يوقّع الاتفاقيات مع القوى الكبرى، ويُعزز حضوره الإفريقي والدولي، ويحول صحراءه إلى ورقة قوة اقتصادية واستراتيجية لا ابتزاز فيها ولا مساومة . هذا هو سرّ عقدتكم : أن المغرب يحقق ما لا تستطيعون إنكاره، وأن ملكه يقود البلاد بخطى ثابتة في زمن ارتباك عالمي. فأنتم لا تملكون شجاعة الاعتراف بالنجاحات، فتستسهلون طريق التشويه. بين القلم الشريف والقلم المرتزق الصحافة الحقيقية تبني، تنقد لتقوّم، تكشف لتصلح، تُضيء الطريق للمجتمع. أما صحافتكم، فهي صحافة التحريض، وصحافة الإملاءات الخارجية. أنتم لستم سوى أقلام تتسابق نحو فتات موائد مشغّليكم، تكتبون لا للبحث عن الحقيقة، بل لإرضاء أسياد في الظل . مقالكم الأخير ليس دليل قوة حجّتكم ، بل شهادة وفاة لمصداقيتكم. لقد كتبتم نصًا مليئًا بالافتراء، لكنكم في الحقيقة دفنتم ما تبقى من صورتكم كجريدة كانت تُحترم. أصبحتم أشبه بدكان رخيص، يبيع الوهم بواجهة براقة، فيما الداخل فارغ . المغرب لا ينتظر منكم شهادة حسن سيرة. إنجازاته على الأرض تكفيه، وتكفي كل منصف يريد الحقيقة. المغرب يبني مستقبله بعرق أبنائه، لا بتقارير صفراء تُنشر هناك أو هناك. المغرب لا يتوقف عند كلمات مأجورة؛ هو بلد يشتغل بصمت، ويتحدث بلغة الإنجاز. ما الذي يقدمه المغرب اليوم ؟ مصانع للسيارات والطائرات، استثمارات في الطاقات المتجددة جعلته من رواد إفريقيا، موانئ ضمن الأكبر عالميًا، جيش حديث يفرض احترامه في المنطقة، ودبلوماسية حكيمة تجعل من المغرب صوتًا مسموعًا في القضايا الدولية. هذا بلد يزرع الأمل، ويجني ثمار الجهد. وفي المقابل، ما الذي تقدمونه أنتم؟ مقالات صفراء تقتات على الحقد. ولتعلموا جيدًا : أن محمد السادس أرفع من أن تطاله خرافاتكم. و المغاربة أوفى من أن يهزّهم افتراؤكم. والمغرب أمجد من أن تنالوا من مساره بكلماتكم المهزوزة. إن المساس بالملك ليس استهدافًا لشخص، بل استفزاز لأمة بأكملها. من يظن أن المغاربة سيسمحون بذلك، فهو لم يعرف معدن هذا الشعب. الملك بالنسبة لنا ليس مجرد حاكم؛ هو رمز الوحدة، وضامن الاستقرار، وسند الفقراء قبل الأغنياء. من يحاول التشويش على هذه العلاقة المتينة بين الشعب والعرش، إنما يزرع الوهم في صحراء قاحلة. لقد انحدرتم إلى مستوى الوضاعة، حين ظننتم أن تشويهكم سيؤثر في مكانة المغرب. بينما الحقيقة أنكم أنتم من خسرتم مصداقيتكم، وأنكم أنتم من كتب نهايتكم المهنية بأيديكم. فأنتم مثل من يحاول إطفاء الشمس بنفخة، أو من يرمي الجبل بحجر. فشتان بين قلم وطني شريف يكتب بمداد الوفاء، وقلم مأجور يخط بالحقد. فشتان بين بلد يبني مستقبله بجهد أبنائه، ومنبر يتسول الفتات بأكاذيبه. وشتان، ثم شتان، بين الوضيع والرفيع. إن بياننا هذا ليس موجهًا لكم وحدكم، بل لكل من تسوّل له نفسه أن يسيء إلى المغرب ورموزه. نقولها صريحة: كرامة المغرب خط أحمر. والمساس بجلالة الملك مساس بنا جميعًا. عاش الملك، عاش المغرب، وليخسأ الحاقدون.