Modern technology gives us many things.

نيويورك: تجربة دبلوماسية وثقافية لا تُنسى

72
بقلم: محمد أمين الضعفي

منذ صغري، كنت أحلم باكتشاف مدينة نيويورك.  حيث كانت تُعرف بأنها معلمة ثقافية، وهو تعريف حي للمدينة الصاخبة. بدت لي هذه البيئة الديناميكية الغنية بالفرص مكانًا بعيدًا وغير قابل للوصول اليه تقريبًا. ولكنني لم أتخيل أبدًا أن هذا الحلم سيتحقق بهذه السرعة وبهذه الكثافة.
بفضل الفرصة التي أتاحتها لي مدرستي، وتحت إشراف الأستاذة هاجر أسكور، حظيت بشرف عيش تجربة لا تُنسى خلال المؤتمرات التي نظمتها منظمة: نموذج الأمم المتحدة المستقبل الذي نريده (FWWMUN)، والتي عقدت في الفترة من 2 إلى 9 أبريل 2025 بنيويورك. كانت هذه الرحلة أكثر بكثير من مجرد رحلة بسيطة إلى الخارج: فقد سمحت لي باكتشاف مدينة أسطورية والمشاركة في حدث دولي ذي أهمية كبيرة للشباب المعاصر.
أنا محمد أمين الدوافي. باعتباري طالبًا في برنامج العلوم الأساسية المشتركة، كان لي شرف تمثيل غينيا الاستوائية في لجنة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، المسؤولة عن تعزيز التعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. لقد أتاحت لي هذا التجمع الدبلوماسي اكتساب مهارات قيمة وتوسيع آفاقي في الدبلوماسية والعلاقات الدولية. وبفضل هذه التجربة، تمكنت أيضًا من تعزيز ثقتي بنفسي والحصول على رؤية أكثر وضوحًا لمستقبلي.
مهمة فريدة: حمل صوت دولة أفريقية
كجزء من FWWMUN، تم اختياري لتمثيل غينيا الاستوائية، وهي دولة أفريقية لم أكن أعرف عنها الكثير. كان اختيار هذا البلد تحديًا حقيقيًا. لقد أتاحت لي هذا الملتقى أن أتعلم كيفية الاستماع الجيد والمناقشة وكيفية حل النزاعات. ناهيك عن أن أفضل طريقة للتحدث أمام الجمهور هي الدفاع عن مصالح بلد لم يكن معروفًا لي حتى ذلك الحين.
لقد علمتني هذه التجربة دروسًا في الدبلوماسية والصبر واحترام الآراء المختلفة. وكانت المناقشات مكثفة إلى حد كبير. وقد قدم كل مندوب، ممثلاً لبلد أو دولة غير بلده، وجهة نظره وحلوله الخاصة. لقد كان لتنوع وجهات النظر والثقافات تأثير عميق علي. ولم تكن هذه مجرد لعبة لعب أدوار، بل كانت تعاونًا حقيقيًا، قائمًا على التسوية والتأمل حول قضايا حاسمة مثل تغير المناخ والسلام الدولي والعدالة الاجتماعية.
وقد كشفت لي هذه التجربة أيضًا عن أهمية أن يشعر الإنسان بالفخر بالتراث الثقافي والهوية. رغم أنني كنت أمثل أمة أخرى، إلا أنني لم أنسَ أصولي أبدًا.
كانت هناك لحظة أثرت فيّ بشكل خاص عندما سرنا في مسيرة بملابسنا المغربية التقليدية على طول ميدان تايمز سكوير. وكانت النظرات المعجبة والابتسامات من المارة بمثابة تكريم حقيقي لثقافتنا. لقد جذبت ملابسنا الانتباه، وفتحت الأسئلة حول تقاليدنا الطريق لتبادلات عميقة. باعتباري مغربيًا، فقد حرصت دائمًا على مشاركة ثقافتي مع زملائي المندوبين، بغض النظر عن أصلهم أو ثقافتهم أو دينهم. إن هذا الفخر لم يسمح لي بالدفاع عن أفكاري بحماسة فحسب، بل سمح لي أيضًا ببناء روابط مع الشباب من جميع أنحاء العالم.
نيويورك: مدينة المشاعر والحداثة

كانت هذه الرحلة إلى نيويورك أكثر من مجرد مغامرة أكاديمية. إلى جانب المناقشات الحيوية في FWWMUN، فقد أعطاني المؤتمر الفرصة لاكتشاف مدينة كانت جزءًا من أحلامي منذ صغري. بمجرد وصولنا، أذهلني عظمة هذه المدينة. ناطحات السحاب المذهلة، وشوارعها النابضة بالحياة، هذه الطاقة المتواصلة… كان الأمر أشبه بالانغماس في فيلم، ولكن هذه المرة، كان كل شيء حقيقيًا للغاية وكنت ممثلًا مميزًا في هذا الواقع.
وكانت زيارة مقر الأمم المتحدة إحدى أبرز الأحداث التي أتيحت لنا. يمثل هذا المكان، الذي يجتمع فيه السفراء من مختلف أنحاء العالم، مركز الدبلوماسية الدولية. كان السير عبر هذه الممرات المليئة بالتاريخ، وتخيل المناقشات والقرارات العظيمة التي اتخذت بهدف تشكيل العالم، انطباعًا عميقًا عليّ.
لقد كانت لحظة رمزية، إذ سلطت الضوء على مدى أهمية المشاركة الدولية في معالجة التحديات العالمية. وكانت زيارة مبنى إمباير ستيت أيضًا أحد أبرز أحداث الرحلة. ومن هناك، كان المنظر خلابًا: محيط لا نهاية له من ناطحات السحاب، ومدينة تبدو وكأنها لا نهاية لها أبدًا. في تلك اللحظة، غمرني إعجاب عميق بهذه المدينة وديناميكيتها. لقد أثر بي أيضًا تمثال الحرية، رمز الأمل والحرية. إن رؤية هذا الرمز شخصيًا ذكّرتني بأهمية الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، وهي الرسالة التي نقلتها بفخر في خطاباتي في FWWMUN.
ولكن إلى جانب المعالم الأثرية الشهيرة، فإن نيويورك لديها بعض المفاجآت المذهلة في انتظارنا. كانت ساحة تايمز سكوير، بشاشاتها العملاقة وأضواء النيون المتلألئة، أشبه بالدخول إلى فيلم – مشهد رائع حقيقي! وفي الوقت نفسه، قدمت لنا ولاية نيوجيرسي استراحة مستحقة، ومكانًا هادئًا وسلميًا، بعيدًا عن صخب المدينة وضجيجها، ولكنه كان رائعًا بنفس القدر. وبعد ذلك كانت هناك لونا بارك وسنترال بارك، لحظتان من الخفة الكاملة. لونا بارك، مع ألعابها الرائعة التي جعلتنا نصرخ من الفرح وأعادتنا إلى طفولتنا. سنترال بارك، تلك الزاوية الصغيرة من الجنة حيث نسمح لأنفسنا بالركض والضحك والاستمتاع بالطبيعة. كانت هذه اللحظات لا تُنسى، مزيجًا مثاليًا من المغامرة والمتعة والاسترخاء، بعيدًا عن المناقشات والتوتر، مما يذكرنا بأنه في الحياة، يجب أن نعرف كيف نستمتع باللحظة الحالية.

قبل رحلتنا إلى نيويورك، أتيحت لنا الفرصة للقاء شخصيات ملهمة، مثل السيد ادريس العاشري، الكاتب العام  بالمنظمة العالمية للدبلوماسية الموازيةوالإعلام والتسامح والسيد المصطفى بلقطيبية رئيسها؛ والسيد محمد سعيد بن ريان، الرئيس التنفيذي لشركة XLNC للاستشارات الدولية والسفير السابق للمغرب. لقد أظهرت لنا رحلتهم الرائعة مدى نفوذ المغرب المتزايد على الساحة الدولية. كما استفدنا أيضًا من النصائح القيمة للدكتور منير بوكاع، المدرب الروحي ورجل الأعمال، الذي ساعدنا في التغلب على مخاوفنا، وخاصة مخاوف التحدث أمام الجمهور، وأظهر لنا كيفية التحدث بثقة أمام جمهور دولي.
شكرًا جزيلاً لممثلي هذه المغامرة الرائعة. فبدون الدعم الثابت من والداي، لم يكن أي من هذا ممكنا. لقد أعطتني ثقتهم الشجاعة للإيمان بنفسي، والاستفادة من هذه الفرصة الفريدة وتحقيق حلم طفولتي. وكان استمرار وجودهم في كل مرحلة من هذه الرحلة ضروريا للمضي قدما. امتناني لهم لن يتوقف أبدًا.
وأود أن أعرب عن امتناني للسيد محمد أسكور والسيدة هاجر أسكور، الذين لولاهما لما كانت هذه الرحلة ممكنة. ولم تقدم لنا الدعم فحسب، بل حملت هذه التجربة على كتفيها حقًا. شغفها الكامل، وقدرتها على التخطيط لكل جانب من جوانب الرحلة بدقة ملحوظة. لقد كان اهتمامها المستمر براحتنا عاملاً أساسياً في إكمال هذا المشروع. لقد نظمت كل لحظة بشغف وديناميكية لا هوادة فيها. وبفضل التزامها، حصلنا على تجربة لا تُنسى ومثمرة وآمنة. والسبب الذي جعل هذه التجربة مميزة للغاية هو تفانيها الدؤوب. أنا ممتن للغاية لها على كل ما فعلته لنا.
لقد كانت هذه الرحلة بمثابة فتح عين حقيقي. لم يترك لي ذكريات لا تُنسى فحسب، بل أعطاني أيضًا رؤية واضحة لمستقبلي. اليوم، أصبحت أكثر ثقة وإصرارًا على تحقيق أهدافي، مقتنعًا بأن المثابرة والثقة بالنفس تسمح لنا بإنجاز أشياء عظيمة.
“أظهر لي السفر إلى نيويورك أن الأحلام ليست مجرد تطلعات بعيدة؛ فمع الشجاعة والأمل، يمكن أن تصبح حقيقة.”
وأخيرا، أشكر الجميع الذين جعلوا هذه المغامرة ممكنة. لم يكن FWWMUN مجرد حدث، بل كان علامة فارقة في حياتي. وهذه مجرد البداية!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.