الإقامة في نيويورك..انغماس في تجربة نموذج الأمم المتحدة
بقلم: هبة أكوايري*
لقد نشأتُ على كلمات والدي حين قال لي : “لديك حضور وزير، وقائد – شخصٌ مُقدّرٌ له أن يترك بصمةً”. أما والدتي، التي كانت داعمةً قويةً لطموحي، فقد غرست فيّ قناعةً بأنني أستطيع أن أكون مصدر إلهامٍ وتأثير. لكن البذرة الأكثر قيمة زرعها جدي محمد بوقرنة، الرجل ذو القلب النبيل، المحب لوطنه وقيمه. لقد كان هو الذي غرس فيّ احترام العقول العظيمة والإعجاب بالقادة أصحاب الرؤية الثاقبة. رغم أنه لم يعد بيننا، فإن كل ما أفعله، أفعله حاملاً اسمه بكل شرف ومحبة. إن إرثه لا يزال يعيش في داخلي، مع كل خطوة أتخذها نحو التميز.
عندما لامست قدماي أرض نيويورك النابضة بالحياة، لم تكن ناطحات السحاب الشاهقة والضجيج المتواصل هي التي أذهلتني فحسب؛ لقد كان تحقيقًا لحلم يقظة، أضاءته منذ سنوات، في اليوم الذي اكتشفت فيه عالم الدبلوماسية الرائع.
أنا هبة أكوايري، طالبة في ثانوية ابن عربي تيط مليل ، وكان لي شرف أن أكون جزءًا من الوفد المغربي في FWWMUN المرموق، الذي أقيم في الفترة من 2 إلى 9 أبريل 2025.
لم تكن هذه الرحلة مجرد مغامرة أكاديمية، بل كانت تجربة تحويلية عميقة. برفقة 11 مشاركًا متحمسًا، بالإضافة إلى مديرتنا ومشرفتنا، رفعنا صوت المغرب في أحد أهم أماكن الحوار الدولي، بكل فخر ودفء ثقافي.
مندوبة السودان، لكني أمثل المغرب وأفريقيا بفخر
وفي عالم الدبلوماسية الصاخب، كان لي شرف تمثيل السودان في اللجنة الاقتصادية والمالية (ECOFIN). ومع ذلك فإن كل كلمة قلتها كانت تتجاوز بكثير المهمة الموكلة إلي. لقد حملت صوت المغرب، وأفريقيا، وهويتي عاليا. سألني المندوبون الذين جاءوا من جميع أنحاء العالم، من أين أنا؟ وبقلبٍ يملؤه الفخر، أجبتُ: “أنا مغربية”. في كل نقاش، لم أكن أحمل موقفًا فحسب، بل كنت أحمل روح شعب، ونفس قارة.
وكان أحد أبرز الأحداث هو اعتماد القرار الذي قدمته بشأن النقطة (أ)، وهو القرار الوحيد الذي تم قبوله من بين أربعة قرارات أخرى تم رفضها. لم يكن هذا النجاح لي وحدي؛ بل كان ينتمي إلى كل أولئك الذين دعموني، إلى بلدي، إلى حلمي.
من حماسة المناقشات إلى سحر مدينة نيويورك…
مدينة التناقضات والعواطف: توتر المناقشات مقابل جمال أفق المدينة، وطاقة ميدان تايمز سكوير مقابل جدية مقر الأمم المتحدة. لقد استكشفنا مانهاتن، ومبنى إمباير ستيت، وتمثال الحرية، وبالطبع مقر الأمم المتحدة.
مسيرة الفخر بالزي المغربي التقليدي
تخيل أنك تمشي عبر الأضواء الساطعة في ميدان تايمز سكوير، مرتديًا الزي المغربي الفاخر – ” التكشيطة والقفاطين والملابس التقليدية للرجال” . ويتوقف المارة منبهرين، ليعجبوا بنا، ويسألونا عن أصولنا، ويتعجبوا من ثقافتنا. لم يكن مجرد استعراض؛ لقد كان بمثابة تكريم حي لقرون من التاريخ، وإعلان للانتماء والفخر.
بناء الجسور بين الثقافات
خلال هذه الرحلة، تعرفت على سفراء شباب المستقبل من إيطاليا والهند وأوكرانيا وبولندا ونيجيريا والعديد من البلدان الأخرى. لقد انبهر الجميع بثقافتنا ولغتنا وتنوعنا اللغوي. وما أثر فيّ أكثر من أي شيء آخر هو إعجابهم بقدرتنا على الصمود، وقيمنا، ورغبتنا الشديدة في إحداث التغيير. لقد فهمت أن الدبلوماسية لا تعني السياسة فقط، بل هي إنسانية، واستماع، وتواصل.
من الحلم إلى الواقع.. على خطى الدبلوماسيين
لم يعد حلما. عندما وقفت في قلب الأمم المتحدة، في قاعة الجمعية العامة حيث تحدث أعظم الزعماء ـ بما في ذلك ملكنا محمد السادس ـ بدأ قلبي ينبض انسجاماً مع التاريخ. لم يعد الجدار الأخضر، رمز الأمل والدبلوماسية، مجرد زينة. لقد أصبح امتدادًا لنفسي. وهذا هو المكان الذي يشكل فيه العالم مستقبله. وكنت هناك. حاضرة. ملتزمة.
القوى الهادئة وراء الملحمة
لم يكن كل هذا ممكنًا لولا الرؤية المستنيرة والقيادة للسيدة هاجر أسكور. لقد كانت أكثر من مجرد مديرة، بل كانت نجمتنا الشمالية. إن جهودها الدؤوبة، ولياليها التي لا تنام، واهتمامها بصحتنا، كانت بمثابة لفتات امرأة ذات قلب ورسالة. شكرا جزيلا لك سيدتي هاجر على ثقتك ومحبتك الصادقة. لقد كنت المهندس الصامت لذكرياتنا الأكثر قيمة.
كما أتوجه بالشكر إلى السيد محمد أسكور، الذي تركت أفعاله، التي كانت في كثير من الأحيان سرية ولكنها ضرورية للغاية، بصمة لا تمحى. لقد كان دعمه الهادئ والمستمر هو القوة الهادئة لنجاحنا الجماعي.
وقد أتيحت لنا الفرصة للقاء شخصيات بارزة: السيد ادريس العاشري، الكاتب العام ورئيس اللجنة الاقتصادية والاستثمارية بالمنظمة الدولية للدبلوماسية الموازية والإعلام والتسامح ؛ رفقة السيد المصطفى بلقطيبية رئيس نفس المنظمة؛ والسيد محمد سعيد بن ريان، الرئيس التنفيذي لشركة XLNC للاستشارات الدولية والسفير السابق للمغرب. لقد أثبتت رحلاتهم الملهمة لنا أن المغرب قد ترك بالفعل، وسيستمر في ترك، بصمته على الساحة العالمية.
وكان تبادلنا للآراء مع الدكتور منير بوكاع، المدرب الروحي ورجل الأعمال، مفيدًا بنفس القدر. بفضل جلساته، تغلبنا على مخاوفنا – وخاصة مخاوف التحدث أمام الجمهور. لقد سمح لنا لطفه بالتحدث بثقة أمام جمهور دولي.
الفكرة النهائية – صدى من القلب إن نموذج الأمم المتحدة ليس مجرد حدث. إنها نقطة انطلاق، ومدرسة للحياة. فهو يعلمك الدبلوماسية، نعم، ولكن أيضًا المرونة والكرامة والإيمان.
إلى كل من يقرأ مقالي هذا، تذكر أن بداخلك يكمن نور قادر على تغيير العالم. ثق بنفسك أكثر، وتقدم للأمام بفخر واعتزاز، واعلم أن جذورك، وتراثك، وثقافتك هي أعظم نقاط قوتك.
“كانت نيويورك بمثابة حلم بالنسبة لي، لكن المغرب لا يزال مرسخ في ذهني،” وهذا الترسيخ لن يضعف أبدًا!”
* طالبة سنة أولى بكالوريوس علوم رياضيات
مجموعة مدارس ابن عربي تيط مليل