مداخلة الدكتور أحمد آيت المقدم بندوة أولاد برحيل
يرى فضيلة الدكتور أحمد ايت لمقدم عضو المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء و مدير مركز الدراسات الشرعية و القانونية لإمارة المؤمنين و الدكتور المحاضر بالمرصد الدولي للاعلام و الدبلوماسية الموازية و من موقع الباحث الأكاديمي كعالم من علماء الأمة، يرى ان إمارة المؤمنين بالمغرب هي الضامن للوحدة الترابية و للحمة الوطنية للمملكة، و القيمة على رعاية المصالح و درئ المفاسد و التصدي للفرقة و التطرف والإرهاب، و رد العدوان و الدفاع عن الحياض و حماية الثغور و اقامة العدل و الامن و الاستقرار، على مر العصور و الأزمان. دليلا آخر على تفرد و تميز التجربة المغربية لتحلي أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده بالشجاعة اللازمة و الحكمة البالغة للسير بهذه البلاد الطيبة الى الترقي في سلم المجد و العلياء بين سائر الأمم و الشعوب.
وفيما يلي المداخلة الكاملة للدكتور
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه وبعد
السيد وكيل جلالة الملك
السيد باشا مدينة أولاد برحيل
السيد رئيس المجلس البلدي المحترم
السادة رؤساء المصالح الأمنية الداخلية والخارجية
السادة الأفاضل السيدات الفضليات أخص كل واحد منكم بالذكر
تناولت هذا البحث من خلال المحاور التالية:
تقديم
أولا: الإستمداد من القرآن المجيد للبناء الوحدوي في المغرب :
ثانيا: إمارة المؤمنين ووظيفة توحيد مكونات المغرب
ثالثا: إمارة المؤمنين وتحقيق التنمية الوحدة والاستقرار
رابعا: مؤسسة امارة المؤمنين ضمانة للتوازن والاستقرار في المغرب
خامسا: إمارة المؤمنين وتحقيق الوحدة والتنمية في إفريقيا
خاتمة .
إن مفهوم الوحدة الوطنية يرتبط بشكل كبير ومباشر مع مفاهيم اجتماعية أخرى. فيرتبط مفهوم الوحدة الوطنية مثلاً مع مفاهيم مثل الانتماء، والولاء، وغيرها. ولعل مفهوم الانتماء والولاء قد يراها البعض بأنها قيم محددة تؤدي في النهاية إلى تحقيق الوحدة داخل الوطن وبالتالي الوحدة الوطنية. وقد يكون مفهوم الولاء والانتماء بالتالي هما مقومات من مقومات الوحدة الوطنية.
ويظهر مفهوم آخر قد يكون ملاصقاً لمفهوم الوحدة الوطنية والمتمثل في مفهوم المواطنة والتي يمكن تعريفها كما جاء في دائرة المعارف البريطانية بأنها العلاقة بين الفرد والدولة التي يتحدد من خلال القانون، وما تتضمنه هذه العلاقة من واجبات وحقوق، فهذه مفاهيم متداخلة لا تخرج عن نطاق مفهوم الوحدة الوطنية.
يمكن تبني تعريف خاص للوحدة الوطنية في أنها “اتحاد مجموعة من البشر في الدين والاقتصاد والاجتماع والتاريخ في مكان واحد وتحت راية حكم واحدة”.
فالوحدة الوطنية هي اندماج اجتماعي بين شرائح المجتمع كافة تحت حكم واحد، وفي إقليم محدد بتراخي تام عن هذا الانتماء، وبشعور يجمع هذه الشرائح من أجل مصلحة واحدة ومشتركة.
الوحدة الوطنية هي الهاجس الرئيس الذي يشغل السياسيين والاجتماعيين، وصناع القرار السياسي والسلطة التنفيذية والتشريعية في الوقت الراهن. فالوحدة الوطنية كما يعتبرها الجميع هي الخط الأحمر الذي لا يسمح لأحد أن ينال منها، وهي الهدف الرئيس الذي تتجمع من خلاله كافة الفئات والشرائح الاجتماعية داخل المجتمع لتحقيقه. فهي الشعار الذي يرفعه الجميع دون استثناء، وهي المقولة التي لا يقبل أي طرف من الأطراف أو أي من الفئات أن تشعر بأنها تسعى بصورة مقصودة أو غير مقصودة في هدمها، أو شق جدرانها المبنية عليها، أو زعزعة بناءها.
إن مؤسسة إمارة المؤمنين في المغرب تشكل مصدر قوة وتوحيد وإجماع وتكامل ووحدة للمغاربة على مر العصور بجميع مكوناتهم وأطيافهم واتجاهاتهم الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية لما تشكله هذه المؤسسة من نموذج مغربي فريد يقوم على المساهمة في بناء الدولة المغربية المدنية الحديثة القائمة على مرجعية الامة في تدبير شؤونها العامة وعلى ضمان الحقوق الاساسية للأفراد والمساواة فيما بينهم بصرف النظر عن الفوارق في الجنس واللون والعرق او العقيدة.
وإمارة المؤمنين في المغرب ينطلق مفهومها من الاعتقاد الراسخ ان الاسلام دين ودولة وان له نظاما سياسيا يتميز به، ثم ان هناك بيعة والتي تشكل الميثاق والصلة التي تربط بين الحاكم والمحكوم بالمعنى الحقيقي وليس الافتراضي .
أولا: الإستمداد من القرآن المجيد للبناء الوحدوي في المغرب
يعتبر الحفاظ على الشريعة من الوسائل التي ترتكز عليه إمارة المؤمنين، ويتجلى ذلك في تحقيق المصالح التي تتسق مع الشريعة، وتوجيه النظر الاجتهادي ودرء المقاصد التي تتراءى في صورة مصالح، وضمان عدم الاخلال بمقتضيات الشريعة الاسلامية والحفاظ على الثوابت الدينية والأحكام الشرعية، والعناية بتأطير حياة المجتمع وتدينه من حيث العمل على نشر المصحف الشريف، وأحداث معاهد للدراسات القرآنية ومواكبة جميع فضاءات تحفيظ القران.
1- الإستمداد من القرآن
وإذا كان المجال لايتسع للإسهاب في بيان الآليات التي تعتمدها إمارة المؤمنين من أجل تحقيق الأمن والوحدة والاستقرار فإني أرى أن من المناسب استحضار بعض الآيات القرآنية المفيدة في بيان خط إمارة المؤمنين في وظيفة تحقيق الوحدة والإستقرار قال عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ،وقال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” وقال تعالى:” إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء” وقال تعالى:” وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ” وقال تعالى:” إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ” وقال تعالى:” شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ” .
يقول سبحانه وتعالى : { واعتصموا بحبل الله جميعا }ونهاهم عن الفرقة والاختلاف { ولا تفرقوا }،قال القرطبي :” أنه أمر بالجماعة ونهى عن الفرقة ” ولاشك أن تعدد الجماعات والولاءات فرقة واختلاف وتنازع ، واعتصام الجميع بوحدة واحده هي الولاء للمغرب واحدة لاشك تحقيق عظيم للأمر القرآني { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا }، قال تعالى : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } ، يأمر الله جل وعلا المسلمين بإقامة الدين وعدم التفرق فيه ووضح لهم أن ذلك هو شرعه الذي وصى به أولى العزم من الرسل صلوات الله عليهم أجمعين ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : في قوله تعالى : { أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } وفي قوله تعالى : { ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } : ” هذا أمر من الله للمؤمنين بضرورة الولاء للوطن والدين ونهي عن الاختلاف والفرقة، وقال تعالى : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } ، يأمر المولى عز وجل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وينهاهم عن التنازع والاختلاف فيما بينهم وبين عز وجل أن ذلك يؤدي إلى الفشل والضعف وذهاب الهيبة والقوة ، ولاشك أن تعدد الاتجاهات العاملة لدين الله في بلد واحد ذلك تنازع ولا ينكر ذلك إلا من طمست بصيرته وهذا التنازع يؤدي حتما إلى { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } ، وقال تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } ، يشير المولى
عز وجل في هذه الآية إلى وجوب موالاة المؤمنين بعضهم بعضا لاسيما وأن الذين كفروا يوالي بعضهم بعضا في حرب الاسلام وأهله من خلال إشعال الفتنة فيما بينهم والدعوة إلى تشتيت شملهم ووحدتهم فإن لم يوال المغاربة بعضهم بعضا وينصر بعضهم بعضا ويعاون بعضهم بعضا ستحدث الفتنة والفساد الكبير.
2- الإستمداد من قاعدة مراعاة الوحدة واجتماع الكلمة رغم الاختلاف
لقد أمر الإسلام المسلمين بالوحدة، والاجتماع، والاعتصام بحبل الله جميعاً، ونهاهم عن الفرقة والاختلاف في الدين إلى شِيَع وأحزاب ما أنزل الله بها من سلطان .. وشدد على ذلك أيما تشدد .. لما في الوحدة واجتماع الكلمة من قوة ومنعة وسؤدد ورفعة للدين وأهله .. وما في التفرق والاختلاف من ضعف، وهوانٍ، وتخلف.
إن الذي يتحقق مع اختلاف التضاد في الأصول والعقائد والثوابت هو التنازع .. والعداوة .. والهلاك .. والتفرق في شِيَع وطوائف وفِرق وأحزاب متنافرة متباغضة متدابرة .. وليس الوحدة والتآلف والاجتماع .. فالتفرق ثمرةٌ ونتاجٌ للاختلاف في الأصول والعقائد والتوحيد .. وبالتالي فإن الذين يُطالبون بأن لا يُثار الحديث عن اختلاف التضاد في الأصول والعقائد .. وما يُعتبر من ثوابت الدين .. فيما بين الفرق والطوائف المنسوبة إلى الإسلام .. خشية على وحدة الصف والكلمة .. هم واهمون .. خادعون ومخدوعون .. ويُقال لهم: هذا النوع من الاختلاف لا يُمكن أن يُثمر وحدة أو اتحاداً .. مهما سُكِت عنه .. أو حاولتم أن تلبثوه ثوب التحضر والرقي .. بل في إقراره والسكوت عنه تتحقق الفرقة والعداوة والبغضاء، كما قال تعالى:”وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ” فلما نسوا حظَّاً من الدين والتوحيد .. واختلفوا فيه .. كانت النتيجة كما قال تعالى: فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ؛ فانقسموا وافترقوا إلى فِرَق عدة .. تلعن بعضها بعضاً .. وتكفر بعضها بعضاً!
وهذا مثلٌ ضُرِب للمسلمين؛ أي إن نسيتم حظاً من الدين والتوحيد .. واختلفتم فيه .. كما فعل النصارى من قبلكم .. يُعاقبكم الله تعالى بما عاقبهم؛ فيُغري بينكم العداوة والبغضاء .. فتفترقون كما افترقوا .. وتلعنون وتكفرون بعضكم بعضاً .. كما فعلوا .. فليس لهم كلَّ مرة ولنا كلَّ حلوة إن تخلقنا بأخلاقهم .. وفعلنا فعالهم .. فتنبهوا!، وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال:” والله لتُقيمُنَّ صفُوفَكُم أو ليُخالِفّنَّ اللهُ بين قلوبكم “. قال النعمان بن بشير ـ راوي الحديث ـ: فرأيت الرجلَ يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه” .
فإذا كان التقصير في عدم تسوية صفوف الصلاة .. مؤداه إلى اختلاف القلوب .. وإلى أن يُعاقب الله المقصرين باختلاف قلوب بعضهم على بعض .. فكيف بمن يقصر .. ويتهاون .. ويُخالف فيما له مساس بالأصول، والعقيدة، والتوحيد .. لا شكَّ أنه أدعى لنزول العقاب .. واختلاف القلوب وتنافرها!
ويُقال كذلك: أن أعظم مقاصد وغايات الدين .. تحقيق التوحيد؛ فهو غاية الغايات .. والمقصد الأعلى من خلق الخلق .. وإرسال الرسل .. وإنزال الكتب، كما قال تعالى:” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” وقال تعالى:” وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ” وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ” ،وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وغيرها كثير من الآيات القرآنية التي تؤكد هذا المعنى، وبالتالي فإن مطلب ومقصد التراص، والتوحد، واجتماع الكلمة .. ما هو إلا وسيلة لخدمة المطلب والمقصد الأعلى والأعظم والأسمى للدين .. ألا وهو مطلب ومقصد تحقيق التوحيد .. وبالتالي لا يجوز أن يُضحى بالغاية من أجل الوسيلة .. ولا بالأعلى من أجل الأدنى، ولو حصل تعارض بين التوحد والتوحيد .. وكان لا بد من اختيار أحدهما .. قُدم خيار التوحيد ولا بد .. وليس للمسلم خيار غير هذا الخيار، إلا في حال آثر أن يختار الكفر على الإيمان!
ثانيا: إمارة المؤمنين ووظيفة توحيد مكونات المغرب
وهي الوظيفة الأصلية التي كانت تضطلع بها إمارة المؤمنين، والتي ظهرت في تجربة توحيد القبائل، وأصبحت اليوم، بعد تراجع سلطة القبيلة وتسارع المدن، تأخذ أشكالا أخرى تتكيف مع التباينات والاختلافات التي تعمل داخل مكونات المجتمع، سواء كانت إثنية أو قبلية أو لغوية أو سياسية.
ووظيفة حماية الوحدة الترابية وهي من بين الوظائف التي أشارت إليها الكتب السلطانية التي تربط الإمامة بالذود عن حياض الأمة وحماية ثغورها، وقد استمرت هذه الوظيفة وظهرت بشكل واضح في مستويين:
المستوى الأول قانوني: يتعلق باعتماد البيعة وإمارة المؤمنين كأساس قانوني لمغربية الصحراء، من خلال إدراج الوثائق التي تثبت ارتباط قبائل الصحراء بالبيعة للملوك العلويين.
المستوى الثاني سياسي: يظهر في الالتزام الدستوري للملك بالدفاع عن الوحدة الترابية بصفته أميرا للمؤمنين كما يوضح ذلك الفصل الفصل “41الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.
أما فيما يتعلق بالنزاع المفتعل حول الوحدة الترابية للمغرب، تؤكد الحقائق التاريخية والمحطات المتحكمة في حاضر نزاع الصحراء، أن حيازة المغرب للإقليم وضمه ليسا وليدي إجبار اسبانيا على الانسحاب بالقوة، على اعتبار أن السلطان مولاي الحسن الأول والسلطان مولاي عبد العزيز قاما بحملات عسكرية دفاعا عن إقليم الصحراء، لإجلاء القوات الأجنبية من جهة ولتجسيد إمارة المؤمنين من جهة أخرى، وهو ما اعتمدت عليه مجموعة القوى العظمى، للإقرار في اتفاقيات بينها وبين السلطة المركزية، بسيادة المغرب على الإقليم، وعلى ذلك المنوال سارت اللجنة الرابعة بإصدارها قرارا لإسبانيا بالتفاوض مع المغرب لإنهاء الاستعمار عن الصحراء.
إن التمازج المغربي الإفريقي سابق على الإسلام، إلا أنه ازدهر في العهد الإسلامي من خلال التجارة وتبادل المنافع، مشيرا إلى أن هذه العلاقات تتميز ببعد شعبي، ولم يضعفها لا الاستعمار ولا مخططات عزل المغرب عن محيطه الإفريقي.
نؤكد أن من رحم هذه العلاقات المغربية الإفريقية ولدت الثوابت الدينية المشتركة، وهي الأشعرية عقيدة، والمالكية مذهبا، والتصوف سلوكا روحيا، “فالأشعرية من الناحية السياسية تعني أن المسلم، الذي يشهد بلسانه بوجود الله وتوحيده والإقرار بنبيه لا يجوز تكفيره بالتقصير في العمل، فإن قصر بحق من حقوق نفسه فمرد ذلك عليه، وإن أضر بحق من حقوق الجماعة فمرد ذلك إلى القضاء، وإن قصر بينه وربه فله أن يعامله بعدله”.
إن إمارة المؤمنين وفرت على مر التاريخ أمنا روحيا واستقرارا سياسيا جعل حدا للتناحرات الدموية للقبائل الإفريقية، وأن التحديات الأمنية التي تطرحها الجماعات المتطرفة على منطقة الساحل والصحراء، تجعل الملك ضرورة حتمية للأمن والتنموية، في إشارة إلى أن ارتباط الإنسان الإفريقي بالبيعة الشرعية جعلت المغرب يتحمل مسؤولية المساهمة في تثبيت منطقة الساحل والصحراء، وتوفير الحماية الأمنية والروحية للمبايعين.
ثالثا: إمارة المؤمنين وتحقيق التنمية الوحدة والاستقرار
إيمانا من أمير المؤمنين بأن التنمية من وسائل الاستقرار وحب الوطن رسم حفظه الله كل ما من شأنه أن يحقق ذلك ووظيفة قيادة الشعب إلى التنمية والإصلاح هي الوظيفة التي تحدثت عنها الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركات في اللقاء الوطني الأول للعالمات والواعظات والمرشدات بالصخيرات، إذ ربط هذا الخطاب بين الإمامة العظمى والبيعة وبين قيادة الشعب على طريق التقدم والعزة والكرامة وتحقيق المواطنة الكاملة لكل أبنائه، والارتقاء بأحواله، في مدارج التنمية الشاملة، وتأهيل أجيالنا للاندماج في حركية الإبداع والتجديد والتصدي ، بلا هوادة، لكل مظاهر التخلف والإقصاء والتهميش.
رابعا: مؤسسة امارة المؤمنين ضمانة للتوازن والاستقرار في المغرب
ان الطابع الاستثنائي والمتفرد للمملكة المغربية في ظل اجواء الشك وعدم اليقين التي تسود العالم العربي والذي تؤدي شعوبه فاتورة الانتقال الديمقراطي غير الهادئ وغير المكتمل، نجد ان المغرب بالعكس من ذلك يعيش توازنا دينيا وسياسيا في ظل مؤسسة امارة المؤمنين التي تضطلع بدور مركزي في امن واستقرار المغرب وإحداث التوازن والعدالة فيه، هذا الاستثناء المغربي يكمن سره في قوة التجربة المغربية من مدخل امارة المؤمنين كفكرة جامعة ومجموعة اليات ومقتضيات وضوابط حافظت على الاستقرار السياسي في المغرب، ومؤسسة امارة المؤمنين في المغرب تتطور وتجدد نفسها باستمرار بتطور المتغيرات ويتجدد حقلها في عهد الملك محمد السادس من حيث حماية التعددية والاختلاف داخل المعرب فالملك محمد السادس طرح عقدا جديدا على المغاربة في أول يوليو 2011 يطور بمقتضاه دستوريا حقل إمارة المؤمنين الذي لعب في الممارسة الدستورية المغربية دور التحكيم ومراقبة الحدود بين السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية ليلعب دور حماية التعددية والاختلاف في الحياة الدستورية(3)
ومن هنا لا غرابة اذا رأينا كيف ان التجربة المغربية في مجال امارة المؤمنين تتمدد داخل النفوذ الديني لدول عربية وافريقية مثل تونس وليبيا وغينيا كوناكري ومالي بعد ان طلبت هذه البلدان مساعدة المغرب في امور تدبير الشأن الديني من خلال تكوين وتدريب ائمة المساجد والاستفادة من الخبرة المغربية في عمارة المساجد كل ذلك ياتي في سياق الوقوف في وجه التطرف والتشدد الديني التي تلهب المنطقتين العربية والإفريقية.
خامسا: إمارة المؤمنين وتحقيق الوحدة والتنمية في إفريقيا
نجحت منظومة إمارة المؤمنين في إرساء مشروع مغربي متكامل يرتكز على النسب الشريف وحماية الدين على المذهب السني المالكي الذي يتميز بالجمع بين النص وإعمال الرأي عند الضرورة، والعقيدة الأشعرية القائمة على الاعتدال بين التشبيه والتنزيه، وبين الأثر والتأويل، والتصوف الجنيدي، والجمع بين الشريعة والحقيقة.
*وشكلت 2016 سنة إفريقية بامتياز، بالنسبة إلى المغرب، من خلال الزيارات الملكية للعديد من البلدان، والتوقيع على مئات الاتفاقيات والمشاريع المشتركة، التي انخرطت فيها الحكومات والقطاع الخاص، والتي شملت مجالات عدة، من بينها مشاريع ضخمة مثل اتفاق أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، والذي ساهم في تشكيل تنمية مندمجة في أكثر من عشر دول إفريقية.
* واختار الملك، في سابقة أن يوجه خطاب المسيرة من قلب العاصمة السنغالية دكار، تعبيرا عن ارتباط المغرب ببعده الإفريقي، حيث جعل منه توجها إستراتيجيا يطول مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية، وإعلانا رسميا عن قرار العودة إلى الاتحاد الإفريقي.
ويرى المتتبعون أن اختيار السنغال لإلقاء خطاب المسيرة، يعتبر اعترافا بمكانة السنغال المتميزة في إفريقيا، ونموذجه الديمقراطي التاريخي، وبدوره في الدفاع عن القضية الوطنية خلال المرحلة التي غادر فيها المغرب سنة 1984 منظمة الوحدة الإفريقية.
*وبات الاختيار الإفريقي مكونا من مكونات السياسة الخارجية المغربية، ليس فقط في الدفاع عن قضية الصحراء، وتصحيح المغالطات التي يروج لها خصوم الوحدة الترابية، من داخل الاتحاد الإفريقي، بل أيضا ضمن سياساته الاقتصادية القائمة على دعم الشراكات والاستثمارات بين بلدان القارة، وتقوية المبادلات التجارية بينها.
وحمل الخطاب الملكي توجيهات للحكومة يدعوها إلى أن تكون سياستها المستقبلية شاملة ومتكاملة تجاه إفريقيا، وأن تنظر إليها كمجموعة، كما طالب الوزراء بإعطاء القارة الاهتمام ذاته الذي يولونه في مهامهم إلى الدول الغربية.
وفي الختـــــــــــــــــــــــــــام
هذه بعض بعض الإشارات إلى دور إمارة المؤمنين في تحقيق الوحدة المغربية بل والإفريقية كذلك ، وهي تؤكد في مجموعها أن الأمر لا يتعلق بمجرد لقب أو صفة أو رمز ديني، وإنما يتعلق بإطار مؤسسي شرعي له وظائف محددة وواضحة مستمدة من الدستور التاريخي، يؤكد أن الأمر يتعلق بإطار مؤسسي، له وظائفه المعلنة ليس فقط في الخطابات الملكية ولكن أيضا في الممارسة الملكية.
هـــــــــــــــــــــــــــوامـــــــــــــــــــــــــــــــــــــش:
– مداخلة في ندوة بمدينة الحمامات تونس عن علاقة الدين والدولة أ حمد الخمليشي .. 15 17 اكتوبر 2012 م
– وظائف امارة المؤمنين في الخطب الملكية . بلال التليدي :. صحيفة التجديد 292012
– امارة المؤمنين ضمان توازن دستوري عبد الرحيم المنار اسليمي جريدة الشرق الاوسط اللندنية 29 يوليو العدد 2013 م
– قراءة في مفهوم الوحدة الوطنية عبد الله بن ناجي آل مبارك. جريدة الرياض- الخميس 5 ربيع الأول 1426، 14 أبريل 2005، عدد 13443
